السَّعادة في واقع العمل

       السعادة كانت ولا تزال الهاجس الذي شغل الإنسان منذ فجر التاريخ المكتوب، وجاء ذلك نتيجة لما أنجزه من استقرار نفسي واجتماعي واقتصادي. اليوم، ومع تعاظم دور علم النفس الإيجابي   Positive psychology وما أوجده من مقدمة تثري البحث في معنى السعادة في واقع العمل، كان لابد من سبر محاور عدة في السلوك التنظيمي Organizational behaviour ومحاولة إعادة تأطير مفهوم السعادة الوظيفية والرفاه الشخصي  Subjective well- being.

    تكمن أهمية السعادة في بيئة العمل في أنها تؤثر بشكل عميق على الكثير من المؤشرات، مثل: الإنتاجية، والرضا الوظيفي، وإلتزام الموظف، والتي بدورها تعد من أهم ركائز مؤشرات الأداء الوظيفي.

وعلى النقيض من ذلك، تتأثر المنظمة سلباً ويتراجع أداؤها كلما تلاشت هذه المعطيات، وألفينا عوضاً عنها، دلالات غاية في السلبية، مثل: الكآبة، والقلق، والإجهاد، والاستياء، وغيرها الكثير من هذه العوارض النفسية.

   وعلى الرغم من ذلك التأثير الحاسم للسعادة في نجاح المنظمات وتميز أدائها، إلا أن الكثير من هذه المنظمات لا يزال حتى الساعة يتجاهل تبعات غياب هذا العامل الجوهري. عندما يُصَمَّم واقع العمل ويدار لإيجاد المعنى لأفراده وموظفيه، يُمهِّد هذا الواقع، الأرضية التي تقف على أعتابها سعادتهم بل وصحتهم، فالموظفون الأكثر صحة وسعادة هم الأكثر إنتاجية، وعلى أثر ذلك، تضمن المنظمة سعادة المتعاملين لديها طبقاً لذلك.

   إذن، نجاح المنظمة مرتهن في بناء مكان عمل صحي، وسعيد، ومنتج، وهي المكونات التي تساهم في تأسيس المجتمع الفاعل والمتميز في واقع العمل عند تبنِّي هذه المنظمة مفهوم علم النفس الإيجابي، وبالنتيجة يتنامى شعور قيمة العمل لدى الموظفين،وأهميته ليس فقط على أدائهم، وأفكارهم، وخبراتهم في العمل، بل على مجمل حياتهم بأسرها.  

بقِيَ أن نذكر، أن قياس محتوى السعادة عملية ليست بالهينة، فهي تخضع لاعتبارات نفسية عدة، أهمها: التجارب، واللذة الحسية، والسرور، والميول، والمعتقدات الإيجابية  Positive beliefs، وكذلك العوامل النفسية الأخرى، مثل: الرضا الوظيفي، والإلتزام، والمشاعر الإيجابية الناتجة عن تجارب العمل التي قد تلهم الموظفين لعمل شيء ما لم يكونوا قد خططوا للقيام به من قبل.