كنا فيما مضى من الزمن نردد مصطلح إدارة شؤون الموظفين، وفي ثمانينات القرن الماضي برز مصطلح إدارة الموارد البشرية، وتلا ذلك في تسعينات ذات القرن مصطلح رأس المال البشري Human Capital. نعم اختلفت هذه المصطلحات، بل وازدادت تشعباً وتشابكاً مع العديد من العلوم الأخرى، إلا أن العامل الركائزي الذي تمحورت حوله كل تلك المحاور هو الإنسان. ولنعد قليلاً إلى البدايات، فالمصطلح الأول كان اهتمامه منصباً على تطبيقات أساسية، مثل:الرواتب، والعلاوات، والإجازات.. إلخ، ثم جاء المصطح الثاني ببعد أكثر إحترافاً حين تطرق إلى البشر من الناحية الإنسانية، النفسية، الاجتماعية.. إلخ، وأضاف المختصون والممارسون لهذه الإدارة، نظرية الإدارة الصلبة للموارد البشرية Hard HR Management، والإدارة الناعمة للموارد البشرية Soft HR Management، وفيما يلي نراجع أبرز الفروق بين هذين المنهجين، من خلال الجدول التالي:
المسار الإدارة الصلبة للموارد البشرية الإدارة الناعمة للموارد البشرية العلاقات الوظيفية • يُعامل الموظفون ببساطة على أنهم أحد موارد مجتمع العمل (كالآلات والمباني). • يُعامل الموظفون على أنهم الموارد الأكثر أهمية في بيئة العمل ومصدر راسخ لتعزيز الأفضلية التنافسية Competitive advantage. الاستراتيجية • الارتباط الوثيق بتخطيط العمل التنظيمي، ماهي المصادر التي نحتاجها، كيف نحصل عليها، وكم ستكلفنا؟ • يُعامل الموظفون على أنهم بشر ولهم حاجات يفترض استحقاقها بناء على مخطط له طبقاً لذلك. صميم العمل • التحقق من احتياجات العمل للقوى العاملة، وعلى أثره تُنْجَز الإدارة، مثل: التعيين، والنقل، والفصل). • التركيز على احتياجات الموظفين، وعلى أثره تُنْجَز الإدارة مثل: أدوارهم، ومكافآتهم، وتحفيزهم). التخطيط • التغيير قصير الأجل في عدد الموظفين (التعيين- التسريح). • التركيز طويل الأمد على استراتيجية تخطيط الموارد البشرية. الاتصال • الاتصال ضئيل، وهو من الأعلى إلى الأسفل (أحادي التدفق). • الاتصال على مستوى عالٍ، وبوتيرةٍ منتظمة (ثنائي التدفق). الأجور • الأجر: كفاية التوظيف، واستبقاء الكادر الوظيفي الكافي، مثال: الحد الأدنى للأجور. • بنية أجرٍ تنافسية، مع تطبيق نظام المكافأة مقابل الأداء، مثال: توزيع الأرباح، واختيارات المشاركة. التمكين • ضآلة التمكين أو درجة التقويض، أو تُطبق بصورة اجتزائية. • الموظفون على درجة عالية من التمكين، ويُشَجَّعُون على طلب التفويض وأخذ المسؤولية. تقييم الأداء • أنظمة تقييم الأداء تركز على التقديرات (جيد/ سيئ) حول الموظفين. • أنظمة تقييم الأداء تُركِّز على توجيه التدريب، والتعرف إلى احتياجات تنمية الموظف. البنية التنظيمية • الهرمية (العمودية). • المسطحة (الأفقية). القيادة • مبعث أسلوب القائد المستبد • مبعث أسلوب القائد الديمقراطي
Source: Adopted from Wikinson, A. and Johnstone, S. 2016
المسار | الإدارة الصلبة للموارد البشرية | الإدارة الناعمة للموارد البشرية |
العلاقات الوظيفية | • يُعامل الموظفون ببساطة على أنهم أحد موارد مجتمع العمل (كالآلات والمباني). | • يُعامل الموظفون على أنهم الموارد الأكثر أهمية في بيئة العمل ومصدر راسخ لتعزيز الأفضلية التنافسية Competitive advantage. |
الاستراتيجية | • الارتباط الوثيق بتخطيط العمل التنظيمي، ماهي المصادر التي نحتاجها، كيف نحصل عليها، وكم ستكلفنا؟ | • يُعامل الموظفون على أنهم بشر ولهم حاجات يفترض استحقاقها بناء على مخطط له طبقاً لذلك. |
صميم العمل | • التحقق من احتياجات العمل للقوى العاملة، وعلى أثره تُنْجَز الإدارة، مثل: التعيين، والنقل، والفصل). | • التركيز على احتياجات الموظفين، وعلى أثره تُنْجَز الإدارة مثل: أدوارهم، ومكافآتهم، وتحفيزهم). |
التخطيط | • التغيير قصير الأجل في عدد الموظفين (التعيين- التسريح). | • التركيز طويل الأمد على استراتيجية تخطيط الموارد البشرية. |
الاتصال | • الاتصال ضئيل، وهو من الأعلى إلى الأسفل (أحادي التدفق). | • الاتصال على مستوى عالٍ، وبوتيرةٍ منتظمة (ثنائي التدفق). |
الأجور | • الأجر: كفاية التوظيف، واستبقاء الكادر الوظيفي الكافي، مثال: الحد الأدنى للأجور. | • بنية أجرٍ تنافسية، مع تطبيق نظام المكافأة مقابل الأداء، مثال: توزيع الأرباح، واختيارات المشاركة. |
التمكين | • ضآلة التمكين أو درجة التقويض، أو تُطبق بصورة اجتزائية. | • الموظفون على درجة عالية من التمكين، ويُشَجَّعُون على طلب التفويض وأخذ المسؤولية. |
تقييم الأداء | • أنظمة تقييم الأداء تركز على التقديرات (جيد/ سيئ) حول الموظفين. | • أنظمة تقييم الأداء تُركِّز على توجيه التدريب، والتعرف إلى احتياجات تنمية الموظف. |
البنية التنظيمية | • الهرمية (العمودية). | • المسطحة (الأفقية). |
القيادة | • مبعث أسلوب القائد المستبد | • مبعث أسلوب القائد الديمقراطي |
اليوم تجاور مفهوم إدارة البشر في جانبيه الصلب وهو التقليدي وكذا الناعم وهو الحديث، وتعدى ذلك التفسير الذي يَعد البشر مورداً يُستغل للتنمية إلى راساً معتبراً للمال، وحقيقة الأمر هو كذلك، فبناء الإنسان اليوم في الدول المتقدمة يُعدُّ أعظم أركان التنمية، وأجل محاور الرفاهية التي تنشدها الحكومات الرشيدة في عالم اليوم. ومما يجدر بنا ذكره، أن القطاع العام في العديد من الدول النامية يميل في تطبيقاته إلى النموذج الصلب، وهذا ما يعكسه تراجع الإنتاجية، وتفشي البيروقراطية.. إلخ، وانعكاس تلك النتائج سلباً على الناتج القومي الإجمالي لهذه الدول، وبالتالي تعثر الحكومات في عملية التنمية ناهيك عن معضلة الإصلاح في هذا القطاع. (World Development Report, 2017)
تؤكد العديد من المؤشرات العالمية أن منظمات القطاع العام تواجه تحديات معتبرة في إدارة البشر، خاصة مع التحولات التي تتبناها الحكومات اليوم، مثل الحكومة الإلكترونية، والحوكمة الإلكترونية، الحكومة التشاركية، وتبني تطبيقات التواصل الاجتماعي في مكان العمل.. وغيرها. وبالتالي أصبحت مفاهيم النزاهة، الشفافية، تكافىء الفرص، التغييرات الديمغرافية، إدارة التنوع، إلخ، من ركائز الاستراتيجيات الحالية لإدارة رأس المال البشري في المنظمة الحكومية، وتبني هذه السياسات الحكومية تتجاوز استحقاقات البشر المادية الملموسة، مثل: المالية، والإدارية، والتنظيمية.. ليصل إلى الاستحقاقات غير الملموسة Intangibles ، مثل: إدارة الفكر عند البشر، إدارة السلوك التنظيمي، إدارة السمعة.. من أجل ذلك، كان من الأهمية بمكان التأكيد على أن رأس المال البشري هو المصدر الرئيس لتحقيق الأفضلية التنافسية المستدامة وليس الأصول المالية أو وسائل الإنتاج. (Human Capital Report, 2017)
ويطرح مركز الابتكار في قطاع الخدمة في الولايات المتحدة، أربعة محاور تحتاجها المنظمات في سعيها إلى إنتهاج مفهوم إدارة رأس المال البشري، وهي: (Center for Innovation in Public Service 2006, p.4).
1. إدراك أهمية الموظفين وإدارتهم على أنهم محور إرتكازي في عملية التنمية.
2. إرساء منظومة تخطيط استراتيجي للتوظيف بسواعد مختصة تحترف الأداء.
3. إعطاء الأولوية لخطط رأس المال البشري وتحديد كلفتها لأجل الاستثمار المستدام.
4. العمل على ارتباط الموظفين Employees engagement عبر قنوات الاتصال الفاعل والتعاون البناء
في هذا الكتاب، يهدف الكاتب إلى رسم استراتيجية تهتدي إليها منظمات القطاع العام في سعيها لأدارة رأس مالها البشري، وأيضاً طرح المسارات الإرتكازية المستدامة التي تدعم جهود الحكومة في تنفيذ سياساتها المتصلة بتنمية الموارد البشرية وتطوير مهاراتهم في هذا القطاع الخدمي الحيوي.
بعض مراجع الكتاب:
Center for Innovation in Public Service (2006) “Strategic framework for implementation of human capital management in federal government”. Retrieved from http://www.bearingpoint.com/Documents/StaticFiles/c3703cipshcm.pdf.
Mourino-Ruiz, E. (2017) “The Perfect Human Capital Storm: Workplace Human Capital Challenges and opportunities in the 21st Century”, North Carolina: Information Age Publishing, Inc.
Selon, S. (2009) “Human Capital: Tools and Strategies for the Public Sector”, Washington: CQ press.
Wikinson, A. and Johnstone, S. (2016) “Encyclopedia of Human Resource Management”, Glos: Edward Elgar Publishing.
World Economic Forum (2017) “The Global Human Report”. Retrieved from http://www.weforum.org/reports/the-global-human-capital-report-2017